فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الشنقيطي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ المحصنات المؤمنات فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ المؤمنات}.
ظاهر هذه الآية الكريمة أن الأمة لا يجوز نكاحها، ولو عند الضرورة إلا إذا كانت مؤمنة بدليل قوله: {مِّن فَتَيَاتِكُمُ المؤمنات} فمفهوم مخالفته أن غير المؤمنات من الإماء لا يجوز نكاحهن على كل حال، وهذا المفهوم يفهم من مفهوم آية أخرى وهي قوله تعالى: {والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب} [المائدة: 5] فإن المراد بالمحصنات فيها الحرائر على أحد الأقوال، ويفهم منه أن الإماء الكوافر لا يحل نكاحهن ولو كن كتابيات، وخالف الإمام أبو حنيفة- رحمه الله- فأجاز نكاح الأمة الكافرة، وأجاز نكاح الإماء لمن عنده طول ينكح به الحرائر. لأنه لا يعتبر مفهوم المخالفة كما عرف في أصوله- رحمه الله.
أما وطء الأمة الكافرة بملك اليمين، فإنها إن كانت كتابية فجمهور العلماء على إباحة وطئها بالملك، لعموم قوله تعالى: {إِلاَّ على أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] الآية. ولجواز نكاح حرائرهم فيحل التسري بالإماء منهم. وأما إن كانت الأمة المملوكة له مجوسية أو عابدة وثن ممن لا يحل نكاح حرائرهم فجمهور العلماء على منع وطئها بملك اليمين.
قال ابن عبد البر: وعليه جماعة فقهاء الأمصار وجمهور العلماء، وما خالفه فهو شذوذ لا بعد خلافًا، ولم يبلغنا إباحة ذلك إلا عن طاوس.
قال مقيده- عفا الله عنه- الذي يظهر من جهة الدليل والله تعالى أعلم، جواز وطء الأمة بملك اليمين وإن كانت عابدة وثن أو مجوسية. لأن أكثر السبايا في عصره صلى الله عليه وسلم من كفار العرب وهم عبدة أوثان، ولم ينقل عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه حرم وطأهن بالملك لكفرهن ولو كان حرامًا لبينه، بل قال صلى الله عليه وسلم: «لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة» ولم يقل حتى يسلمن ولو كان ذلك شرطًا لقاله وقد أخذ الصحابة سبايا فارس وهن مجوس، ولم ينقل أنهم اجتنبوهن حتى أسلمن.
قال العلامة ابن القيم- رحمه الله- في زاد المعاد ما نصه: ودل هذا القضاء النبوي على جواز وطء الإماء الوثنيات بملك اليمين، فإن سبايا أوطاس لم يكنّ كتابيات، ولم يشترط رسول الله صلى الله عليه وسلم في وطئهن إسلامهن، ولم يجعل المانع منه إلا الاستبراء فقط، وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع مع أنهم حديثو عهد بالإسلام ويخفى عليهم حكم هذه المسألة وحصول الإسلام من جميع السبايا، وكن عدة آلاف بحيث لم يتخلف منهن عن الإسلام جارية واحدة مما يعلم أنه في غاية البعد، فإنهن لم يكرهن على الإسلام، ولم يكن لهن من البصيرة والرغبة والمحبة في الإسلام ما يقتضي مبادرتهن إليه جميعًا، فمقتضى السنة وعمل الصحابة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده جواز وطء المملوكات على أي دين كن، وهذا مذهب طاوس وغيره، وقواه صاحب المغني فيه ورجح أدلته، وبالله التوفيق. اهـ. كلام ابن القيم- رحمه الله- بلفظه وهو واضح جدًا.
قوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات مِنَ العذاب}.
لم يبين هنا هذا العذاب الذي على المحصنات- وهن الحرائر- الذي نصفه على الإماء، ولكنه بين في موضع آخر أنه جلد مائة بقوله: {الزانية والزاني فاجلدوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] فيعلم منه أن على الأمة الزانية خمسين جلدة ويلحق بها العبد الزاني فيجلد خمسين، فعموم الزانية مخصوص بنص قوله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات مِنَ العذاب} [النساء: 25] وعموم الزاني مخصوص بالقياس على المنصوص. لأنه لا فارق البتة بين الحرة والأمة إلا الرق، فعلم أنه سبب تشطير الجلد فأجرى في العبد لاتصافه بالرق الذي هو مناط تشطير الجلد، وهذه الآية عند الأصوليين من أمثلة تخصيص عموم النص بالقياس، بناء على أن نوع تنقيح المناط المعروف بإلغاء الفارق يسمى قياسًا، والخلاف في كونه قياسًا معروف في الأصول.
أما الرجم فمعلوم أنه لا يتشطر، فلم يدخل في المراد بالآية.
تنبيه: قد علمت مما تقدم أن التحقيق في معنى أحصن أن المراد به تزوجن، وذلك هو معناه على كلتا القراءتين قراءته بالبناء للفاعل والمفعول، خلافًا لما اختاره ابن جرير من أن معنى قراءة {أَحصَنَّ} بفتح الهمزة والصاد مبنيًا للفاعل أسلمن، وأن معنى {أُحْصِنَّ} الآية. أن الأمة التي لم تتزوج لا حد عليها إذا زنت. لأنه تعالى علق حدها في الآية بالإحصان، وتمسك بمفهوم هذه الآية ابن عباس، وطاوس، وعطاء، وابن جريج، وسعيد بن جبير، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وداود بن علي في رواية فقالوا: لا حد على مملوكة حتى تتزوج، والجواب عن هذا والله أعلم أن مفهوم هذه الآية فيه إجمال وقد بينته السنة الصحيحة، وإيضاحه أن تعليق جلد الخمسين المذكور في الآية على إحصان الأمة، يفهم منه أن الأمة التي لم تحصن ليست كذلك فقط، فيحتمل أنها لا تجلد ويحتمل أنها تجلد أكثر من ذلك أو اقل أو ترجم إلى غير ذلك من المحتملات، ولكن السنة الصحيحة دلت على أن غير المحصنة من الإماء كذلك، لا فرق بينها وبين المحصنة، والحكمة في التعبير بخصوص المحصنة دفع توهم أنها ترجم كالحرة، فقد أخرج الشيخان في صحيحهما عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما قالا: سئل النَّبي عن الأمة إذا زنت ولم تحصن، قال: «إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير» قال ابن شهاب: لا أدري أبعد الثالثة، أو الرابعة. وحمل الجلد في الحديث على التأديب غير ظاهر، لاسيما وفي بعض الروايات التصريح بالحد، فمفهوم هذه الآية هو بعينه الذي سئل عنه النَّبي صلى الله عليه وسلم، وأجاب فيه بالأمر بالجلد في هذا الحديث المتفق عليه، والظاهر أن السائل ما ساله إلا لأنه أشكل عليه مفهوم هذه الآية فالحديث نص في محل النزاع، ولو كان جلد غير المحصنة أكثر أو أقل من جلد المحصنة لبينه صلى الله عليه وسلم.
وبهذا تعلم أن الأقوال المخالفة لهذا لا يعول عليها، كقول ابن عباس ومن وافقه المتقدم آنفًا، وكالقول بأن غير المحصنة تجلد مائة، وهو المشهور عن داود بن علي الظاهري، ولا يخفى بعده وكالقول بأن الأمة المحصنة ترجم وغير المحصنة تجلد خمسين، وهو قول أبي ثور، ولا يخفى شدة بعده ولعلم عند الله تعالى. اهـ.

.فوائد بلاغية:

قال في صفوة التفاسير:
البلاغة:
تضمنت الآيات أنواعا من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
1- المجاز المرسل في {حرمت عليكم أمهاتكم} أي حرم عليكم نكاح الأمهات فهو على حذف مضاف.
2- الطباق بين {حرمت.. وأحل} وفي {محصنين.. ومسافحين} وفي {كبائر.. وسيئاتكم} لأن المراد بالسيئات الصغائر من الذنوب. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ المحصنات المؤمنات} الآية من شرطية وهو الظَّاهِرُ، ويجوز أن تكون موصولة، وقوله: {فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم} إما جواب الشَّرط، وإمَّا خبر الموصول، وشروط دخول الفاء في الخبر موجودة و{مِنكُمْ} في محلِّ نصب على الحال من فاعل {يَسْتَطِعْ} وفي نصب {طَوْلًا} ثلاثة أوْجُهٍ:
أظهرُهَا: أنَّه مفعول بـ {يستطيع} وفي قوله: {أنْ ينكح} على هذا ثلاثة أوجه:
أحدها: أنَّه في محلِّ نصبٍ بـ {طولًا} على أنَّهُ مفعول بالمصدر المنون؛ لأنَّه مصدر؛ وطلت الشيء أي: نلتُهُ، والتَّقدير: ومن لم يستطع أنْ ينال نكاح المحصنات المؤمنات، ومثله قول الفَرَزْدَقِ: [الكامل]
إنَّ الْفَرَزْدَقَ صَخْرَةٌ مَلْمُومَةٌ ** طَالَتْ فَلَيْسَ يَنَالُهَا الأوْعَالاَ

أي: طالت الأوْعَالُ فلم تَنْلها، وإعمالُ التصدر المنوَّن كثيثر قال الشَّاعِرُ: [الوافر]
بِضَرْبٍ بِالسُّيُوفِ رُؤُوسَ قَوْمٍ ** أزَلْنَا هَامَهُنَّ عَنِ المَقِيلِ

وقول الله تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا} [البلد: 14، 15] وهذا الوجه ذهب إليه الفارسي.
الثاني: {أَن يَنكِحَ} بدل من {طَوْلًا} بدل الشَّيْءِ من الشَّيْءِ؛ لأنَّ الطول هو القدرة، أو الفضل، والنِّكَاحُ قدرة وفضل.
الثَّالثُ: أنَّهُ على حذف حرف الجَرِّ، ثم اختلف هؤلاء، فمنهم مَنْ قَدَّرَهُ بإلى أي: طولًا إلى أن ينكح المُحْصَنَاتِ، ومنهم من قَدَّرَهُ باللامِ أي: لأن ينكح، وعلى هذين التَّقديرين، فالجارّ في محلِّ الصِّفَةِ لطولًا، فيتعلَّق بمحذوف، ثُمَّ لما حُذِفَ حرف الجرِّ فالخلاف المشهُورُ في محل أن أنصبٌ هو أم جرٌّ؟.
وقيل: اللامُ المقدّرة مع أنْ هي لام المفعول من أجله، أي: لأجل نِكاحِهنَّ.
الوجه الثَّاني من نصب {طَوْلًا}: أن يكون مفعولًا له على حذف مضاف أي: ومن لم يستطع منكم لعدم طول نكاح المحصنات، وعلى هذا فأن ينكح مفعول يستطع أي: ومن لم يستطع نكاح المُحْصَنَات لعدم الطُّوْلِ.
الوجه الثالثُ: أن يكون مَنْصُوبًا على المصدر.
قال ابْنُ عَطيَّة: ويصحُّ أن يكون طَوْلًا نصبًا على المَصْدَرِ، والعامِلُ فيه الاستطاعة لأنَّهما بمعنى و{أَن يَنكِحَ}، على هذا مفعول بالاستطاعة، أو بالمصدر يعني أنَّ الطولَ هو الطاعة في المعنى، فَكَأنَّهُ قيل: ومن لم يستطع منكم استطاعة، والطَّوْلُ: الفضل ومنه التطول وهو التَّفضل قال تعالى: {ذِي الطول} [غافر: 3] ويقال: تطاولَ لهذا الشَّيءِ أي تناوله كما يقالُ: يد فلان مبسوطة، وأصل هذه الكلمة من الطُّولِ الّذي هو ضدّ القصر؛ لأنَّهُ ذَا كان طويلًا ففيه كمال وزيادة كما أنه إذا كان قصيرًا ففيه قصور ونقصان، فسمى الغنى طولًا لأنه ينال به المراد ما لا ينال عند الفقر كما أنَّ بالطول ينال ما لا ينال بالقصر.
قال ابنُ عبَّاس ومُجاهدٌ وسعيدُ بنُ جبيرٍ والسُّديُّ وابنُ زيدٍ، ومالكٌ: الطَّول هو السَّعة، والغنى قيل: والطَّوْلُ: الحرة، ومعناه: أنَّ من عنده حرَّة لا يجوز له نكاح أمة، وإن عَدمَ السَّعَةَ، وخاف العَنَتَ؛ لأنَّه طالب شهوة وعنده امرأة، وهو قول أبِي حنيفَةَ وبه قال الطَّبرِيُّ.
وقال أبُو يُوسفَ: الطَّوْلُ هو وجود الحرَّة تحته، وقيل: الطَّوْلُ هو التَّجلد والصبر كمن أحبَّ أمةً، وهويها حتَّى صار لذلك لا يستطيع أن يتزوج عليها غيرها، فإنَّ له أن يتزوّج الأمَةَ إذا لم يملك مهرها، وخاف أن يبغي بها، وإن كان يجد سَعَةً في المال لِنِكَاحِ حرَّةٍ. وهذا قول قَتَادَةَ والنَّخَعِيِّ وعطاءٍ، وسفيان والثَّوْرِي نقله القُرْطُبِيُّ.